تنتمي هذه الخطوة الجديدة إلى سياسة « أمريكا أولاً » التي لطالما تمسك بها ترامب منذ توليه الرئاسة. تهدف هذه السياسة إلى تقليص الضغوط المالية على دافعي الضرائب الأميركيين واستعادة القوة الاقتصادية للبلاد بشكل عام. ومع ذلك، فإن آثار هذا التقليص قد تمتد إلى أبعد من الحدود الأمريكية، حيث تعتمد العديد من الدول حول العالم على المساعدات المالية الأمريكية لدعم برامج التنمية ومكافحة الفقر.
يأتي هذا التحول في السياسات في وقت تمر فيه الولايات المتحدة بفترة من عدم الاستقرار الاقتصادي، حيث يتطلب الأمر استثمارات كبيرة للحفاظ على مكانة البلاد في الساحة الدولية. إذا أقدمت الولايات المتحدة على تقليص تمويل الوكالات الدولية، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في مناطق عديدة، خصوصا في الدول النامية التي تعتبر هذه المساعدات ضرورية لاستدامة نموها.
كذلك، فإن تقليص التمويلات سيؤثر على وسائل الإعلام العامة، التي تعتمد على دعم الحكومة من أجل تحقيق الاستقلالية والمصداقية. إذ يتمكن الإعلام العام من تقديم تقارير نزيهة وغير متحيزة، مما يسهم في تعزيز الديمقراطية. لكن مع تخفيض التمويلات، تضعف قدرة هذه الوسائل على تقديم تغطية شاملة للعديد من القضايا الهامة.
يعتبر ترامب أن هذه الاستراتيجية هي خطوة إيجابية نحو تمكين الولايات المتحدة من اتخاذ قرارات مستقلة، لكن الكثيرين يرون أن هذا ليس سوى تراجع عن مكانة الولايات المتحدة القيادية في العالم. فقد لعبت الولايات المتحدة دوراً بارزاً في تقديم المساعدات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مما ساهم في تحقيق العديد من الإنجازات التنموية في مختلف البلدان.
هذه السياسة المستجدة قد تخلق فراغا في الحضور الأمريكي على الساحة العالمية، مما يتيح الفرصة للاعبين دوليين آخرين مثل الصين وروسيا لتوسيع نفوذهم. الصين عازمة على زيادة استثماراتها في الدول النامية من خلال مبادرة الحزام والطريق، مما يمنحها القدرة على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع هذه الدول.
هناك أيضاً مخاوف من أن يؤدي تقليص المساعدات إلى زيادة التوترات بين الولايات المتحدة والدول التي تعتمد على هذا الدعم. إذ تعد المساعدات الإنسانية في بعض الأحيان أداة فعالة لبناء علاقات دبلوماسية وتحسين الصورة العامة للولايات المتحدة في الخارج. لذا، فإن أي تخفيض في هذه المساعدات يمكن أن يؤدي إلى تقويض التعاون الدولي.
في الوقت ذاته، يسعى الديمقراطيون للضغط على ترامب لدعم الميزانيات المخصصة للوكالات الإنسانية، مشددين على أهمية هذه الخطوات في تعزيز الأمن القومي. ويشيرون إلى أن عدم تقديم المساعدات قد يؤدي إلى تفشي الفقر والصراعات، مما يشكل تهديدا للأمن العالمى، بما في ذلك على الأراضي الأمريكية.
كما أن الاستثمارات الخارجية تشكل جزءاً أساسياً من الاقتصاد الأمريكي، إذ تستفيد الشركات الأمريكية من الاستثمارات في الخارج. حيث تعمل هذه الشركات على توسيع استثماراتها في الأسواق الصاعدة. وبالتالي، فإن الاستثمار في برامج التنمية الدولية يمكن أن يعكس أيضاً مصالح اقتصادية أمريكية.
بيد أن تحقيق التوازن بين تعزيز المصلحة الوطنية وتحقيق المصالح العالمية يبقى تحديا كبيرا، يتطلب من صناع القرار التفكير في عواقب سياساتهم على المواطنين في الداخل والخارج. فما يتطلبه الأمر هو إعادة النظر في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع العلاقات الدولية وضمان استمرار تقديم المساعدات لضمان الاستقرار العالمي.
يتضح أن التوجهات الحالية تشير إلى مفهوم محلي للاقتصاد الأمريكي، لكن في عالم مترابط بشكل متزايد، فإن العزلة لن تكون حلا. على صناع القرار وضع استراتيجيات تستند إلى التعاون الدولي والمساعدة بدلاً من التراجع.
بينما يستمر النقاش حول السياسة الاقتصادية والإستراتيجية للولايات المتحدة، من المحتمل أن تتبعها نتائج قد تؤثر على المدى الطويل على دور البلاد في الساحة العالمية.
في النهاية، يبقى السؤال واضحا حول كيفية استجابة الحكومة الأمريكية للتحديات المتزايدة التي تواجه المجتمع الدولي والتكيف مع الظروف المتغيرة. هناك حاجة ماسة لجعل الصوت الأمريكي مسموعاً عبر وسائل الإعلام والأجهزة الدولية، لنسجل أثرنا في عالم يتغير بسرعة.
أقدم أيضًا تدريبًا شخصيًا فرديًا. إذا كنت مهتمًا، أرسل لي رسالة خاصة على: marouane@risk.ma